فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

1- {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} فيه تشبيه يسمى التشبيه المقلوب وهو أعلى مراتب التشبيه حيث يجعل المشبّه مكان المشبّه به كقول الشاعر:
كأن ضياء الشمس غرةُ جعفر

والأصل في الآية أن يقال: الربا مثل البيع ولكنه بلغ من اعتقادهم في حل الربا أن جعلوه أصلًا يقاس عليه فشبهوا به البيع.
2- {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} بين لفظ {أحلَّ} و{حرَّم} طباق وكذلك بين لفظ {يمحق} و{يربي}.
3- {كَفَّارٍ أَثِيمٍ} صيغة فعّال وفعيل للمبالغة فقوله: {كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي عظيم الكفر شديد الإِثم.
4- {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ} التنكير للتهويل أي بنوعٍ من الحرب عظيم لا يُقادر قدره كائن من عند الله أفاده أبو السعود.
5- {لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} فيه من المحسنات البديعية ما يسمى الجناس الناقص لاختلاف الشكل.
6- {وَاتَّقُواْ يَوْمًا} التنكير للتفخيم والتهويل.
الفوائد:
الأولى: عبّر بقوله: {يَأْكُلُونَ الرِّبَا} عن الانتفاع به لأن الأكل هو الغالب في المنافع وسواءٌ في ذلك المعطي والآخذ لقول جابر في الحديث الشريف «لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء».
الثانية: شبّه تعالى المرابين بالمصروعين الذين تتخبطهم الشياطين، وذلك لأن الله عز وجل أربى في بطونهم ما أكلوا من الربا فأثقلهم فصاروا مخبلين ينهضون ويسقطون قال سعيد بن جبير تلك علامة آكل الربا يوم القيامة.
ليبلغ إِلى الحسّ ما تبلغه هذه الصورة الحيّة المجسّمة، صورة الممسوس المصروع، ولقد مضت معظم التفاسير على أن المقصود بالقيام في هذه الصورة المفزعة هو القيام يوم البعث، ولكنها- فيما نرى- واقعة في هذه الأرض أيضًا على البشرية الضالة التي تتخبط كالممسوس في حكم النظام الربوي، إِن العالم الذي نعيش فيه اليوم هو عالم الفلق والاضطراب ولاخوف والأمراض العصبية والنفسية، وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضار المادية وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي، ثم هو عالم الحروب الشاملة والتهديد الدائم بالحروب المبيدة وحرب الأعصاب والاضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك وهذا رأي حسن.
الرابعة: أخرج البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان رجلُ يداينُ الناس فكان يقول لفتاه إذا أتيتَ معسرًا فتجاوز عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه». اهـ.

.فائدة لغوية:

قال أبو حيان:
أعاد الضمير أولًا في: كسبت، على لفظ: النفس، وفي قوله: وهم لا يظلمون، على المعنى لأجل فاصلة الآي، إذ لو أتى وهي لا تظلم لم تكن فاصلة. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: أخبر عن حرص أهل الدنيا وهم أكلة الربا بعد ذكر قناعة أهل العقبى. فمثل آكل الربا كمثل من به جوع الكلب يأكل ولا يشبع حتى ينتفخ بطنه ويثقل عليه فلا يقوم إلا كما يقوم المصروع لأنه كلما أقام صرعه ثقل بطنه، ومثله قوله عليه السلام: «إن هذا المال خضر حلو وإن مما ينبت الربيع يقتل حبطًا أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت فمن أخذه بحقه ووضعه بحقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع» وفي الحديث مثلان: أحدهما للمفرط في جمع الدنيا بحيث يفضي به إلى الهلاك في الدنيا والعقبى وأشار إليه بقوله: «وإن مما ينبت الربيع يقتل حبطًا أو يلم» وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر منها الماشية لاستطابتها إياها حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد الاعتدال فتنشق أمعاؤها فتهلك أو تقارب الهلاك. والمثل الآخر للمقتصد وذلك قوله «إلا آكلة الخضر» وذلك أن الخضر ليست من أحرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره ولكنها من كلإ الصيف التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها حيث لا تجد سواها، فلا ترى الماشية تكثر منها وهو مثل التاجر الذي يكتسب المال بطريق البيع والشراء ويؤدي حقه وإن كان له حرص في الطلب والجمع. ولكن لما كان بأمر الشرع وطريق الحل ما أضربه {وأحل الله البيع وحرم الربا} يعني كيف يكون ما أزال نور الأمر ظلمته مثل ما زاد ظلمته ارتكاب المنهي؟ فمرتكب الربا في ظلمات ثلاث: ظلمة الحرص وظلمة الدنيا وظلمة المعصية. {وأمره إلى الله} يرزقه من حيث لا يحتسب {والله لا يحب كل كفار} بنعمة الشرع وأنواره {أثيم} عامل بالطبع مقيم في ظلمة إصراره. ثم أخبر عن العاملين بالشرع الخارجين عن الطبع الذين آمنوا إيمان التصديق بالتحقيق مقرونًا بالتوفيق، ثم خرجوا عن ظلمة اتباع الهوى بإقامة الصلاة وعالجوا ظلمة الركون إلى الدنيا بأنوار إيتاء الزكاة، فجذبتهم العناية من حضيض العبدية إلى ذروة العندية {ولهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم} من الرجوع إلى ظلمات الطبيعة {ولا هم يحزنون} لفوات أنوار الشريعة. ثم أخبر عن أهل الإيمان المجازي فقال: {يا أيها الذين آمنوا} باللسان {اتقوا الله} أي بالله كما جاء. «كنا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم». أي جعلناه قدامنا. ومن شرط المؤمن الحقيقي اتقاؤه بالله في ترك الزيادات كما قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» و{ذروا ما بقي من الربا} تركوا ما سوى الله في طلبه {إن كنتم مؤمنين} إيمانًا حقيقيًا. {فإن لم تفعلوا} لم تتركوا كل زيادة تمنعكم {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} ببعد منهما وبغض. {وإن تبتم} تركتم غيره {فلكم رؤوس أموالكم} وهي الكرامة التي فضلكم بها على كثير من خلقه وهي المحبة يحبهم ويحبونه {لا تظلمون} بوضع محبتي في غير موضعها من المخلوقات {ولا تظلمون} بوضع محبتكم في غير موضعها. {وإن كان ذو عسرة} لم يصل إليه ما أعد لأجله عاجلًا {فنظرة إلى ميسرة} وهو وقت وصوله إليه آجلًا {وأن تصدقوا} تبذلوا فينا ما تتمنون من صنوف برنا في الدنيا والعقبى على قدر همتكم {فهو خير لكم} لأنا نجازيكم على قدر مواهبنا {إن كنتم تعلمون} قدرها {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.
«من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين» ثم إنه سبحانه كما جمع في القرآن خلاصة الكتب السماوية جمع في خاتمة الوحي خلاصة أي القرآن فقال: {واتقوا يومًا} الآية. وذلك أن فائدة جميع الكتب راجعة إلى معنيين: النجاة من الدركات السفلى وهي سبعة: الكفر والشرك والجهل والمعاصي والأخلاق المذمومة وحجب الأوصاف وحجاب النفس. والفوز بالدرجات العلى وهي ثمانية: المعرفة والتوحيد والعلم والطاعات والأخلاق المحمودة وجذبات الحق والفناء عن أنانيته والبقاء بهويته. فقوله: {واتقوا} شامل لما يتعلق بالسعي الإنساني من هذه المعاني، لأن حقيقة التقوى مجانبة ما يبعدك عن الله ومباشرة ما يقربك إليه، فتقوى العام الخروج بسبب الإقامة بشرائط {جاهدوا فينا} [العنكبوت: 69] عن الكفر بالمعرفة، وعن الشرك بالتوحيد، وعن الجهل بالعلم، وعن المعاصي بالطاعات، وعن الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة. ثم من هاهنا تقوى الخاص تخرجهم جذبات {لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69] من حجب أوصافهم إلى درجة تجلي صفات الحق فيستظلون بظل سدرة المنتهى {عندها جنة المأوى} [النجم: 15] فينتفعون بمواهب {إذ يغشى السدرة ما يغشى} [النجم: 16] ثم من هاهنا تقوى خاص الخاص فتخرجه العناية بجذبات {ما زاغ البصر وما طغى} [النجم: 17] من سدرة المنتهى الأوصاف إلى قاب قوسين نهاية حجاب النفس وبدية أنوار القدس. وهناك من عرف نفسه فقد عرف ربه وهو مقام أو أدنى ترجعون فيه إلى الله. لأن مبدأ وجودك النفخة، وآخر حالك الجذبة، وبها اصطفى آدم وكرم نبيه ولهذا لم يقل: ولقد كرمنا أولاد آدم، لأن أهل الكرامة منهم من هو بوصف الرجال دون النساء. ثم وصف الرجال بقوله: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكرالله} [النور: 37] فمن كان من النساء بهذا الوصف بهذا الوصف فهو من الرجال في المعنى، ومن لم يكن من الرجال بهذا الوصف فهو من النساء في الحقيقة، وفي هذا الرجوع وعد وبشارة للأولياء، وويعد وإنذار للأعداء {ثم توفى كل نفس ما كسبت} فبقدر مراتبه في العبودية والتقوى يهتدي إلى مقامات القرب من المولى، وبحسب فنائه عن حجاب نفسه يبقى ببقاء ذاته وهويته، {وهم لا يظلمون} فإن دخول النور في البيت وخروج الظلمة منه إنما يكون على مقدار سعة فتح الروزنة وضيقة ولا تظلم الشمس عليه مثقال ذرة {فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 37، 41]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (282):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما نهى سبحانه وتعالى عن الربا وكان أحد مدايناتهم وكان غيره من الدين مأذونًا فيه وهو من أنواع الإنفاق مع دخوله في المطالبة برؤوس الأموال عقب ذلك بآية الدين.
وأيضًا فإنه سبحانه وتعالى لما ذكر في المال أمرين ينقصانه ظاهرًا ويزكيانه باطنًا: الصدقة وترك الربا، وأذن في رؤوس الأموال وأمر بالإنظار في الإعسار وختم بالتهديد فكان ذلك ربما أطمع المدين في شيء من الدين ولو بدعوى الإعسار اقتضى حال الإنسان لما له من النقصان الإرشاد إلى حفظ المال الحلال وصونه عن الفساد والتنبيه على كيفية التوثق فقال: {يا أيها الذين آمنوا} كالذي تقدمه {إذا تداينتم} من التداين تفاعل بين اثنين من الدين، والدين في الأمر الظاهر معاملة على تأخير كما أن الدين بالكسر فيما بين العبد وبين الله سبحانه وتعالى معاملة على تأخير- قاله الحرالي.
أي أوقعتم بينكم ذلك.
والدين مال مرسل في الذمة سواء كان مؤجلًا أو لا، وهو خلاف الحاضر والعين، وقال: {بدين} مع دلالة الفعل عليه ليخرج بيع الدين بالدين، لأنه مداينة بدينين.
قال الحرالي: فكان في إعلامه أي بالإتيان بصيغة إذا أنهم لابد أن يتداينوا لأنها حين منتظر في أغلب معناها- انتهى.
وأرشد إلى ضبطه بالوقت إشارة إلى أنه يجوز كونه حالًا وإلى أن الأجل وهو الوقت المحدود وأصله التأخير إن كان مجهولًا كان باطلًا بقوله: {إلى أجل مسمى} قال الحرالي: من التسمية وهي إبداء الشيء باسمه للسمع في معنى المصور- وهو إبداء الشيء بصورته في العين.
ولما كان الله سبحانه وتعالى وهو العليم الخبير قد أجرى سنته في دينه بالكتابة فأمر ملائكته وهم الأمناء العدول بإثبات أعمال الخلق لحكم ومصالح لا تخفى وأنزل كتابه الشريف شهادة لهم وعليهم بما يوفونه في يوم الدين من ثواب وعقاب قطعًا لحججهم أمرهم أن يكون عملهم في الدين كما كان فعله في الدين فأرشدهم إلى إثبات ما يكون دينهم من المعاملات لئلا يجر ذلك إلى المخاصمات فقال سبحانه وتعالى أمرًا للإرشاد لا للإيجاب {فاكتبوه} وفي ذكر الأجل إشارة إلى البعث الذي وقع الوعد بالوفاء فيه {أفحسبتم إنما خلقناكم عبثًا وإنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون: 115] {ثم قضى أجلًا وأجل مسمى عنده} [الأنعام: 2] ولما أمر بالكتابة وكان المراد تحصيلها في الجملة لا من أحد بعينه لأن أغلب الناس لا يحسنها أتبعها الإرشاد إلى تخير الكاتب بقوله: {وليكتب بينكم} أي الدين المذكور {كاتب} وإن كان صبيًا أو عبدًا كتابة مصحوبة {بالعدل} استنانًا به سبحانه وتعالى في ملائكته {وإن عليكم لحافظين كرامًا كاتبين} [الانفطار: 10] {بأيدي سفرة كرام بررة} [عبس: 15]. اهـ.